فيما كانت كارول فليمنغ تمارس عملها لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في باكستان تحت ستار العمل الدبلوماسي، قذفت بها الأقدار إلى الوقوع في علاقة عاطفية مع مواطن سعودي وانتهى بها الحال إلى الزواج منه والعودة معه إلى السعودية.

قصة الزواج هذه جعلت الوثائقية ماري روس تتحرك لإنتاج فيلم وثائقي في نوفمبر 2011 عن حياة كارول المليئة بالأحداث، بعد أن علمت أن قصة حياة فليمنغ ليست عادية على الإطلاق، وناقشت خلاله حياة فليمنغ وعلاقتها العاطفية التي جمعتها بالسعودي عبدالله العجروش، وصراعها العصيب مع مرض سرطان الثدي الذي تسبب في وفاتها عن عمر 53 عاما في الـ27 من مايو 2013.

وتطرق الفيلم الوثائقي - بحسب هانترزفيل هيرالد - إلى طبيعة عمل فليمنغ كجاسوسة أمضت حياتها في السفر إلى أكثر من 100 دولة، والعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لنحو 20 عاما، ويتكون الوثائقي من حياة فليمنغ كجاسوسة والدول التي زارتها، والعلاقة العاطفية التي جمعتها بالسعودي عبدالله العجروش، وصراعها العصيب مع سرطان الثدي وعاطفتها نحو الشرق الأوسط.

كانت فليمنغ مريضة خلال الفيلم الوثائقي بأكمله، وبعدما تمت كتابته في عام 2012 أرسلت فليمنغ نسخة أولية منه إلى وكالة الاستخبارات المركزية في أوائل عام 2013 للحصول على الموافقة، وطلبت وكالة الاستخبارات أن يتم حذف بعض المقاطع من الفيلم، بعدها أرسلت الوثائقية روس الفيلم إلى الوكالة في عام 2013 لتنقيحه حال وجود مزيد من المواد التي ينبغي إزالتها، حتى أصبحت نهاية الفيلم مدرّة للدموع لاحتوائها على لقطات تأبينية، وتحدث أصدقاء فليمنغ عنها بصيغة الماضي.

وقالت الوثائقية ماري روس إن فكرة الفيلم تتحدث عن شابة أمريكية كانت تعمل جاسوسة في دولة باكستان، وبدت مثيرة للجدل للكثير من الأشخاص، ولم نكن نعلم أن حالتها كانت ستتحسن، فصورنا الجزء الذي يخصها متحدثين عنها بصيغة الحاضر خلال ربيع 2013 قبل وفاتها.
وأضافت بحسب صحيفة مكة : بغض النظر عن خطورة المرض الذي أصبحت عليه فليمنغ قبل وفاتها، إلا أنها كانت ملتزمة بالفيلم الوثائقي، وبذلت قصارى جهدها لإتمام العمل، ولو كانت على قيد الحياة لأنجزت الأمر وأخرجت الفيلم إلى قاعات السينما.

بدأت فليمنغ سعيها في أن تصبح جاسوسة في أوائل الثمانينات نتيجة لرغبتها المستمرة في عمل شيء مليء بالمخاطر ومثير لصالح بلادها، إذ سمعت بالمصادفة شخصا في كازينو يعمل على التجنيد للاستخبارات المركزية ويتحدث عن السفر، فقدمت طلبا لمعرفة ما إذا كان الحصول على الوظيفة أمرا ممكنا، فدخلت عالم الاستخبارات عندما تلقت إشعارا بتأهلها، ومن ثم ذهبت إلى مقر الاستخبارات الرئيس في فيرجينيا للخضوع للتمارين الصارمة.

كانت فليمنغ تسافر كلما سنحت لها الفرصة، سواء للعمل أو للمغامرة، إذ استمتعت برؤية المناطق التي تتواجد بها، وحرصت أن تصنع حسا بالسلام والتفاهم بين دول العالم، إذ أشارت الوثائقية روس إلى أن التزام فليمنغ بالاستخبارات وزواجها من عبدالله يرمزان إلى فهمها تعدد الثقافات للسلام العالمي.
ووفقا لشقيقة فليمنغ، فإنها كانت ذكية وتتمتع بمعايير عالية في المدرسة، كما أن حب والدها للتاريخ والحروب هو ما ألهمها أن تصبح جاسوسة، وطالما اعتمد عليها للحصول على عمل يمكّنها من السفر حتى يتمكن من زيارتها، كما فازت فليمنغ بجائزتين نظير عملها مع وكالة الاستخبارات المركزية.

التقت فليمنغ بزوجها عبدالله العجروش في مهمة خلال فترة عملها كدبلوماسية أمريكية في باكستان، فتعرفا على بعضهما عندما أكلت من طبق البطاطس المقلية الخاصة به من دون قصد، وكانت بداية الحب، حتى انتقلا في عام 2006 إلى المملكة العربية السعودية للزواج.

ورغم العلاقة العاطفية التي جمعتهما إلا أن كلا من فليمنغ والعجروش يمتلك سرا لا يعلمه الآخر، فصارعت فليمنغ لتخبر زوجها بأنها جاسوسة كما فشل زوجها في إخبارها أنه ما زال متزوجا بزوجته الأولى، وعندما قررت فليمنغ مصارحة زوجها بالحقيقة، لم يشعر بالانزعاج كما شعرت هي عندما صارحها ببقاء زوجته معه، وصارعت من أجل أن تسامحه، حتى إنها فكرت مليا بتركه، لكن تغيرت الأمور عندما علمت بسبب فعلته.
وظل العجروش متزوجا بزوجته الأولى بدافع الشرف والاحترام، وتعلمت فليمنغ أن تتعامل مع هذه المسألة بغض النظر عن استنكارها لتعدد الزوجات في الإسلام، فيما عانت كثيرا خلال صراعها الأزمات التي تعاني منها، فلم تبق قوية خلال صراعها مع سرطان الثدي فحسب، بل في التعامل مع مرض زوجها غير المتوقع كذلك.
وفي عام 2008 تم تشخيص زوجها بحالة متقدمة من اللوكيميا، وفي ذات العام الذي اكتشفت فيه فليمنغ إصابتها بالسرطان تلقى كلاهما العلاج في السعودية، وبعدها انتقل زوجها إلى مدينة هيوستن في تكساس للعلاج، إلا أنه خسر المعركة في عام 2010، ومنذ ذلك الوقت، أمضت فليمنغ الأعوام الثلاثة التالية في محاربة السرطان والخضوع للعلاج في مركز هانترزفيل الطبي.

وبدافع تعاطفها مع استكشاف الثقافات والعادات المختلفة، أصبحت فليمنغ مدونة أمريكية مشهورة في السعودية، وأطلقت مدونة أمريكية بدوية عندما انتقلت إلى السعودية، وتابعها أشخاص كُثر من أرجاء السعودية والولايات المتحدة، بينما كتبت فليمنغ عن مجتمع السعودية المحافظ وما يبدو عليه في أعين الغربيين، كما كتبت عن مشكلات النساء السعوديات، إضافة إلى صراعها مع سرطان الثدي.



loader
 
قـلوبنا معك غـزة