ورواية أخرى عن المدفع، والتي ارتبط بها اسمه: (الحاجة فاطمة) ترجع إلى عام (859 هجرية). ففي هذا العام كان يتولى الحكم في مصر والٍ عثماني يدعى (خوشقدم)، وكان جنوده يقومون باختبار مدفع جديد جاء هدية للسلطان من صديق ألماني، وكان الاختبار يتم أيضًا في وقت غروب الشمس، فظن المصريون أن السلطان استحدث هذا التقليد الجديد لإبلاغ المصريين بموعد الإفطار.
ولكن لما توقف المدفع عن الإطلاق بعد ذلك ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع في رمضان، فلم يجدوه، والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى (الحاجة فاطمة) التي نقلت طلبهم للسلطان،
فوافق عليه، فأطلق بعض الأهالي اسم (الحاجة فاطمة) على المدفع، واستمر هذا حتى الآن؛ إذ يلقب الجنود القائمون على تجهيز المدفع وإطلاقه الموجود حاليًا بنفس الاسم.
وتقول رواية أخرى مفادها أن أعيان وعلماء وأئمة مساجد ذهبوا بعد إطلاق المدفع لأول مرة لتهنئة الوالي بشهر رمضان بعد إطلاق المدفع، فأبقى عليه الوالي بعد ذلك كتقليد شعبي.
وقد استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859م ميلادية، بيد أن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة، وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة (الفشنك) غير الحقيقية، أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية. أيضًا كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة؛ ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدرَّاسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة مدينة البعوث قرب جامعة الأزهر.
وقد تغيّر المدفع الذي يطلق قذيفة الإعلان عن موعد الإفطار أو الإمساك عدة مرات، بيد أن اسمه (الحاجة فاطمة) لم يتغير، فقد كان المدفع الأول إنجليزيًّا، ثم تحول إلى ألماني ماركة كروب، ومؤخرًا أصبحت تطلق خمسة مدافع مرة واحدة من خمسة أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعه كل سكانها، لكن أدى اتساع وكبر حجم العمران وكثرة السكان وظهور الإذاعة والتليفزيون إلى الاستغناء تدريجيًّا عن مدافع القاهرة، والاكتفاء بمدفع واحد يتم سماع طلقاته من الإذاعة أو التليفزيون.
وقد أدى توقف المدفع في بعض الأعوام عن الإطلاق بسبب الحروب واستمرار إذاعة تسجيل له في الإذاعة إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983م عندما صدر قرار من وزير الداخلية بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى، ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، بيد أن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع قد أدى لنقله من مكانه، خصوصًا أن المنطقة بها عدة آثار إسلامية هامة.
ويستقر المدفع الآن فوق هضبة المقطم، وهي منطقة قريبة من القلعة، ونصبت مدافع أخرى في أماكن مختلفة من المحافظات المصرية، ويقوم على خدمة (الحاجة فاطمة) أربعة من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك