كيف يشم النمل الروائح رغم أنه لا يملك أنفاً! الحاسة الكيميائية التي تجعله يسير خلف زملائه في مسارات معينة
من المعروف أن النمل يستخدم قرون الاستشعار (الهوائيات) لشم الطعام والنمل الآخر، وهذا وسيلة لاستكشاف العالم المحيط، لكن كيف يستخدم تلك الهوائيات؟ هذا ما حاولت دراسة جديدة التوصل إليه، بحسب ما أوضحته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
يتبع النمل الحفار الأثر. انظر إلى إحداها فقط وهي تحوم على مكتبك الخشبي حتى تجد أثراً للفيرمونات (المواد الكيميائية التي يستخدمها النمل للتواصل) التي تركتها نملةٌ أخرى.
لكن النمل لا يملك أنوفاً، لذا فهو يلوِّح بقرون الاستشعار بغرض التقاط الرائحة، ثم ينطلق في طريقه للتدمير (النمل الحفار يدمر البيوت).
يعرف العلماء الكثير عن النمل، بما في ذلك قدرته على اتباع أثر الرائحة، لكن باحثين في جامعة هارفارد يريدون الوصول إلى فهمٍ أكثر تفصيلاً للآلية الدقيقة لشم النمل أو تذوقه للفيرمونات التي تحدد طريقه.
في البداية بعض الأساسيات: يستخدم النمل قرون الاستشعار لالتقاط الإشارات الكيميائية التي تركها نملٌ آخر.
والحاسة الكيميائية لدى النملة -سَمّها حاسة الشم، أو التذوق، أو المُستقِبلات الكيميائية- تمكِّنها من اتباع مساراتٍ مستقيمةٍ أو منحنيةٍ أو حتى متعرجة.
ولرؤية كيف يقوم النمل بذلك، مزج العلماء الحبر مع فيرمونات النمل، واستخدموا المزيج لرسم مسارات على الورق ثم وضعوا نملا على المسارات، وسجلوا عشرات الساعات من حركة النمل، وحللوا الفيديو وجربوا نماذج حاسوبية مختلفة لسلوك النمل.
وما وجده ريان درافت ومستشاره فينكاتيش مورثي والباحثون الآخرون في دراستهم التي نشروا نتائجها في دورية علم الأحياء التجريبي؛ هو أن لدى النمل إستراتيجيات عديدة لتتبع المسارات.
فقد استخدم جميع النمل هوائياته لتحسس الدرب من جانب إلى آخر؛ وإحدى الإستراتيجيات التي استخدمها هي "الجسّ"، حيث تحركت نملة الجس ببطء، مع الحفاظ على هوائياتها قريبة من بعضها.
النمل الحفار
تَستخدم كُل أنواع النمل قرون الاستشعار لمسح الطريق من أقصاه إلى أقصاه. إحدى الاستراتيجيات التي تستخدمه أيضاً كانت التحسُّس. تتحرَّك النملة المُتحسِّسة ببطءٍ، وتُبقي قرنيّ استشعارها قريبين.
وأطلق الباحثون على الاستراتيجية الثانية اسم الاستكشاف: إذ يَتحرَّك النمل المستكشف ببطءٍ كذلك، لكنه يسلك مساراتٍ متعرجةٍ مبتعداً عن الطريق أحياناً ثم عائداً إليه مرةً أخرى.
وحين كان النمل يوضع على مسارٍ مرسومٍ بالفيرمونات، فإنه كان يتحرَّك أسرع، ويبقي قرون الاستشعار على جانبي الطريق.
كان النمل يُبقي أحد قرنيّ استشعارها أقرب للطريق، وكان تفضيل أحد قرنيّ الاستشعار يختلف من نملةٍ لأخرى، بكلماتٍ أخرى كانت بعض النمل أيمن وبعضه كان أعسر.
وجد الباحثون كذلك أنه رغم ما للنمل من سمعةٍ لكونه مجتهداً، فإن بعض النمل كان أكثر اجتهاداً من غيره. لم تنطبق فكرة أن النمل عبارة عن روبوتات مجتهدة تفعل الشيء نفسه. وبأي حالٍ فإن فهم سلوك النمل يمكن أن يكون مفيداً في بناء روبوتاتٍ على تلك الشاكلة.
يرى الدكتور مورثي نجاح هذه التجربة دليلاً على أن الباحثين قد وجدوا طريقةً جيدةً لدراسة ارتحال النمل بالتفصيل. ويقول: «أعتقد أننا كنَّا نشعر بالتواضع أمام النمل ونحن نرى كم هو معقدٌ سلوكه. نشعر بالتواضع لكن لا نشعر بالإحباط».