صور| هل تعرفون قصة السجان الاسرائيلي

 

الذي أصبح محامٍ عن الأسرى الفلسطينين ؟

 

 

 

في تلك البقعة الضيقة الشبيهة بقبور الموت، كان التحول في حياة الشاب "يامن زيدان"، فخاطبته

 

جدران سجن "هداريم" التي تخبّئ وراءها قصصاً مفعمةً بقسوةٍ تَبرَعْ في دفن الحياة وإحياء الموت،

 

حتى تمكن يامن من تحطيم هذه الجدران الصدئة الحابسة للحرية على طريقته الخاصة!

 

قصة يامن تبدو غريبةً للوهلة الأولى لمن سمعها من شخص آخر غير بطلها، لكن حينما يتحدث البطل ذاته

 

عن حكاية عودته إلى ذاته وحضن شعبه، تشعر أن انتماءه لفلسطين المحتلة تجاوز كل المقاييس!

 

لم تكن رحلة عمله كسجان للمعتقلين الفلسطينيين سوى غمضة عين عصفت بحياته وحوّلته

 

من مشارك في منظومة قمعية إلى آخر يتصدى بقوة لهذا القمع!

 

قرار يامن بمغادرة عالم السجن الممتلئ بعناوين تشطب معنى الإنسان لم يكن سهلاً عليه وعلى عائلته،

 

فبعد أن كان يحلم بارتداء البزة العسكرية والخدمة في جيش الاحتلال "الإسرائيلي"،

 

بات اليوم أحد أهم الجنود المدافعين عن الأسرى حتى آخر نفس في حياته!

 

يامن زيدان شاب ينتمي للطائفة الدرزية، من قرية بيت جن في الجليل المحتل، نشأ وسط بيئة يربطها

 

حبل سري بالاحتلال "الإسرائيلي"، فخدم أغلب محيطه في جيش الاحتلال بحكم الاتفاق الذي أبرمه

 

وجهاء الطائفة الدرزية مع الاحتلال عام 1956، رغم معارضة أغلب الدروز للقتال في الجيش آنذاك.

 

بدأت حكايته حينما قُتل شقيقاه "صالح وفؤاد" على يد المقاومة الفلسطينية واللبنانية،

 

فقُتل فؤاد أثناء الانتفاضة في محافظة بيت لحم، بينما قُتل صالح على يد حزب الله في جنوب لبنان،

 

ليبقى يامن الابن الوحيد للعائلة.

 

بعد أن خسرت عائلة زيدان ابنيها صالح وفؤاد، تم إعفاء يامن من الخدمة في الجيش،

 

إلا أن رغبته بارتداء البزة العسكرية فرضت ذاتها بقوة على نفسيته التي قاومت بعد ذلك

 

لغة حب الاحتلال لقتل الأسرى، وصاغ بدلاً منها حروفاً تتقاطع مع خارطة فلسطين التاريخية.

 

اضطر يامن لتغيير جو عائلته الكئيب والخروج من الحزن المنتشر في كل ركن من أركان منزل عائلته،

 

فتزوج في سن مبكر حينما كان يبلغ من العمر 21 عاماً، ورزقه الله بولدين أسماهما كمال وفؤاد

 

وفاءً لوالده كمال وشقيقه.

 

إن نقص الزي العسكري رافق زيدان لفترة ليست ببسيطة، فلم يكن مشتهياً قرار الإعفاء، ليعيد

 

إحياء صورة والده المطبوعة في ذاكرته، فوالده كان ضابطاً كبيراً في الشرطة "الإسرائيلية"،

 

فضلاً عن أن قتل شقيقيه عزّز إحساسه بضرورة الالتزام بالبزة العسكرية.

 

لقاء القنطار والبرغوثي

 

تعلّم زيدان الحسابات، وعمل لفترة وجيزة في هذا المجال في المجلس المحلي بقريته، ثم انتقل للعمل

 

بنفس الوظيفة في سجن "هداريم"، حتى قرر دراسة تخصص الحقوق في الجامعة، فتعارض

 

حينها توقيت دوامه كموظف حسابات مع دراسته الجامعية، فاضطر للعمل كسجان في القسم الجنائي،

 

ثم تحول إلى القسم الأمني أو ما يُعرف بـ "السجناء السياسيين".

 

دخل آنذاك زيدان قسم 3 في "هداريم"، فالتقى بأهم المطلوبين عند الاحتلال كمروان البرغوثي،

 

وسمير القنطار، وعلي الصفوري، وغيرهم من الأسرى ممن يزالون يشتمون رائحة الزنازين النتنة،

 

لتفصلهم دقائق قليلة بين نبض الحياة وزفرة الموت!

 

ويقول زيدان "قبل أن أحتك بشكل مباشر مع المعتقلين الفلسطينيين، كنت معتقداً أنهم مجرمون

 

ومخربون وإرهابيون، ومسؤولون عن قتل الأطفال والأبرياء، لكن حينما التصقت بعالمهم واقتربت

 

من أبسط تفاصيل حياتهم، انبهرت بثقافتهم وأخلاقهم وأسلوبهم الراقي والرزين في الحديث".

 

أُصيب زيدان بالدهشة من حقائق كثيرة غيّبتها الظروف عنه، فقرر أن يبحث عن أصله وتاريخه وجذوره،

 

لكي يرتقي بالنقاش والحديث إلى مستوى البرغوثي والقنطار، حتى تفاجأ بكم المعلومات الخاطئة

 

والمزيفة حول طبيعة الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي".

 

لم يجد زيدان مخرجاً آنذاك للصراع الذي ضرب عقله، إلا بأخذ إجازة من العمل لمدة 4 شهور،

 

حتى يعيد ترتيب أوراقه ويحدد مصيره بالعودة لسجن "هداريم" كسجانٍ يقهر الأسرى،

 

أو إنسان ينفض غبار الظلم عن إخوته الفلسطينيين.

 

شقَّ زيدان طريقه برسم معالم الحرية على وجوه من كان سجانهم بالأمس، فاستفاق من غفوته

 

الطويلة واستقال من عمله كسجان "إسرائيلي"، وتحوّل إلى محامٍ يدافع عن معتقلي أبناء

 

شعبه القابعين خلف أسوارٍ لا تعرف لغة الإنسانية.

 

محامٍ عن القنطار

 

ووعد الأسير المحرر سمير القنطار يامن زيدان بمنحه توكيلاً للدفاع عنه، إذا نجح في

 

مغادرة "هداريم" كسجان، وعدم اجتياز أبوابه إلا كجنديٍّ يسعى لحماية المعتقلين، حتى

 

أوفى القنطار بوعده لزيدان، فكان أول أسير يمنح توكيلاً رسمياً لزيدان للدفاع عنه، قبل

 

صفقة تبادل الأسرى التي تحرر بموجبها.

 

دفع زيدان ثمن عودته لحضن شعبه، فتعرض لمضايقات سياسية واقتصادية من قبل

 

الاحتلال "الإسرائيلي"، فمنعه من دخول القدس المحتلة والضفة الغربية أكثر من مرة

 

، لكنه تحدى أوامر المنع القضائي بدخوله رام الله.

 

وأخضع الاحتلال زيدان لجلسات تحقيق عديدة، فقدمت الشرطة "الإسرائيلية" في وقت

 

سابق ملفه للنيابة العامة مرفقاً بتوصيات، لتنظر في لائحة اتهام ضده، فكان تجريم نشاطه السياسي

 

والوطني العنوان الأبرز لملف التحقيق، لكن رغم ذلك بقي زيدان على عهده الذي قطعه

 

على نفسه أمام معتقلي أبناء شعبه.

 

واليوم، يقود زيدان حملة شعبية واسعة للوقوف بوجه تجنيد أبناء طائفته الدرزية للخدمة في جيش الاحتلال،

 

كما لا يتوانى عن التواجد بالصفوف الأمامية في الفعاليات التضامنية مع المعتقلين أو المناسبات الوطنية.

 

وحول تشرّب ابنيه عدالة القضية الفلسطينية، يقول زيدان "أصر على تعليم ابنيّ أبجديات القضية الفلسطينية،

 

وأعمل جاهداً على توسيع مداركهما بالتمييز بين الحق والباطل،

 

وأحثهما دوماً على رفض رسم علم الاحتلال في مدرستهما".

 

وتعج صفحة زيدان الشخصية على "الفيسبوك" بعبارات مناصرة للمعتقلين الفلسطينيين،

 

فضلاً عن تزيينها بصورٍ تصر على كسر القيد، والانتصار بأمعاءٍ خاوية صامت

 

عن الطعام والشراب منذ زمن بعيد.

 

وما يزال زيدان يشدّ على أيدي المعتقلين الفلسطينيين المقهورين في سجون الاحتلال (الإسرائيلي)،

 

ويكشف خبث الاحتلال المتمعن في تصفيتهم واجتثاث المقاومة من جذورها الأصلية، علّه يهدم

 

جدران الظلم على رؤوس أصحابها، ويغرس مكانها بذوراً تختصر الطريق ليافا وحيفا وعكا والقدس.

 



loader
 
قـلوبنا معك غـزة