قصتهم لفتت نظر العالم أجمع، وخصوصًا أن الملكة رانيا لم تتوقف قط عن إعلان حبها للملك عبد الله بكل الطرق، فى نظرات عينيها، وتواجدها معه فى الأماكن العامة والخاصة، وبكل ما تملك من قوة ومشاعر جميلة اعترفت بتصرفاتها، وكذلك فعل هو أيضًا معلنًا عشقه لها.

 

 

ومنذ إعلان زواجهما فى أوائل التسعينيات، امتلأت قلوب العالم شغفًا بمعرفة قصة حبهما، والتى أعلنها الملك عبدالله لأول مرة فى كتابه “فرصتنا الأخيرة” وكانت تفاصيل لقائه مع الملكة رانيا العبدالله وطلبه الزواج منها كما سطرت فى تلك السطور، بحسب ما نقلته صحيفة المرصد.

 

 

وتاليًا نص ما كتبه الملك:–

 

فى شهر أغسطس من العام 1992 كنت قائدًا لكتيبة المدرعات الملكية الثانية، وكنا نجرى مناورات وتدريبات ميدانية حيث بقينا أنا ورجالى فى معسكر صحراوى ننام فى الخيام طوال شهرين متواصلين دون انقطاع.

 

 

على صعيد الإقامة كنا نكتفى بالأساسيات فلكى أستحم مثلاً مددت ما يشبه الأنبوب إلى خزان للماء يستمد حرارته من أشعة الشمس، وانقضى الأمر.. أنهينا تدريباتنا بنجاح فقال لى قائد اللواء إن بإمكاننا، أنا والضباط الأخرين، أن نذهب فى إجازة ليلة واحدة.

 

 

خلعت اللباس العسكرى وارتديت قميصًا بسيطًا وحذاء خفيفًا وقدت سيارتى إلى عمان. ما أن وصلت إلى المنزل حتى اتصلت شقيقتى عائشة وقالت: "علمت أنك فى المدينة، لم لا تأتى إلى العشاء؟" فقلت لها: "فى الحقيقة أشعر بحاجة إلى حمام ساخن وسرير مريح ولا شىء سوى ذلك"، لكنها لم تكن قد رأتنى منذ مدة فوعدتنى أن اللقاء سيكون بسيطًا ولن يطول، وبما أننى كنت قد عشت طوال شهرين على الفاصوليا والسباجيتى المعلبة، كان من الصعب أن أرفض الدعوة لعشاء لذيذ.

 

 

توجهت إلى منزل عائشة وكان وجهى أشبه بالرغيف المحمص بعد قضاء شهرين تحت شمس الصحراء دون أن أنتبه أن لديها ضيوفًا على العشاء، ذهبت مرتديًا الملابس ذاتها التى كنت قد استعجلت ارتداءها عند مغادرتى المعسكر. أحد أصدقاء شقيقتى كان يعمل فى شركة أبل للكمبيوتر فى عمان وقد اصطحب معه إلى العشاء أحد زميلاته، رانيا الياسين. ما أن وقع عليها نظرى حتى قلت فى نفسى: "ما أجملها"!.

 

 

كانت رانيا آنذاك على مشارف الثانية والعشرين ولم تكن أمضت الكثير من حياتها فى الأردن، وذلك لأنها نشئت فى الكويت التى غادرتها مع عائلتها المنحدرة من أصول فلسطينية إلى الأردن خلال حرب الخليج.

 

 

كان والدها ينوى قبل ذلك بوقت طويل أن يتقاعد فى الأردن ولهذه الغاية كان قد شيد منزلاً فى عمان، غير أن الحرب سرعت فى تنفيذ مخطط العائلة. درست رانيا إدارة الأعمال فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، ثم عملت فى مصرف "سيتى بانك" فى عمان ومن ثم فى شركة "أبل" حيث التقت صديق شقيقتى.

 

 

لم نتحدث سوى حديث عابر حول مائدة العشاء، لكنها انتزعت إعجابى الكبير برصانتها الواثقة، وأناقتها اللافتة، وخصوصًا بذكائها. لقد أخذ منى سحرها مأخذه وأدركت لتوى أننى لا بد أن أراها ثانية.

 

 

انقضى بعض الوقت قبل أن أتمكن من تحديد وسيلة للحديث معها مرة أخرى. اتصلت بها فى مقر عملها. قدمت لها نفسى وقلت لها بأننى أرغب فى لقائها ثانية، فقالت: "سمعت عنك أشياء.."، لم تنه جملتها، لكن الإشارة كانت واضحة بأن ما سمعته لم يكن مديحًا كله. أجبتها "لم أقدم نفسى كملاك، لكن نصف ما سمعت، على أقل تقدير، هو مجرد أقاويل فارغة". لا يبدو أن كلامى أقنعها وقالت إنها سوف تفكر فى الموضوع.

 

 

لا أحسب أننى من الذين يتراجعون بسهولة. طلبت من صديق مشترك، توفيق قعوار، أن يمر بها فى مكتبها وأن يؤكد لها طيب نواياى، لكنها مع ذلك لم تقتنع واعتبرته متحيزًا.

 

 

عاد توفيق من مهمته متعذرًا عن إنه لم يتدبر لى لقاءً معها، لكنه اكتشف أن رانيا تحب "الشوكلا"، فعدت وأرسلته ثانية مع علبة من "الشوكلا البلجيكية". فى النهاية قبلت دعوتى إلى العشاء فى نوفمبر حيث فاجأتها بأن أعددت لها الطعام بنفسى. فى البداية كان الدافع لكى أتعلم الطبخ هو الحاجة الماسة، وقديمًا قيل الحاجة أم الاختراع.

 

 

لكن فيما بعد أخذت أتمتع به ووجدته وسيلة للاسترخاء والترويح عن النفس. كنت قد صنعت محليًا الأدوات اللازمة لإعداد بعض الأطعمة اليابانية التقليدية مع الدجاج والقريدس ولحم البقر.

 

 

مر العشاء على نحو جيد، وعدنا والتقينا مرة أو مرتين قبل نهاية تلك السنة، وكنا نتحدث على الهاتف مرات عديدة. كان لابد أن نبقى أمورنا محصورة بنا نحن الاثنين فالناس يحبون الثرثرة والقيل والقال، ولم نرغب فى أن نكون موضوعًا لمثل هذه الثرثرة.

 

 

قبيل بداية السنة الجديدة التقيت "جيج" وكنت حينما قد بدأت أن أجد صعوبة فى كتم مشاعرى أخبرته بأننى ألتقيت فى عمان فتاة رائعة وأصبحت مقتنعًا بها.. هى الفتاة المناسبة. دعوت رانيا إلى العشاء لمناسبة عيد ميلادى فى الثلاثين من يناير.

 

 

جلس والدى إلى جانبها ودار الحديث بينهما دورته الكاملة لينتهى بوالدى مدهوشًا بما شع منها، ذكاءً وسحرًا وجمالاً. ولم يطل به الوقت حتى كشف سرنا. وبعد أن غادر والدى والضيوف وبينما كنت لا أزال جالسًا مع رانيا فى المنزل رن جرس الهاتف وكان والدى على الطرف الأخر. قال: "ما دمنا الآن قد اكتشفنا السر متى تريدنى أن التقى والديها؟".

 

 

كنت فى ما مضى أشارك فى مسابقات الرالى، بما فيها أحيانا مسابقات المحترفين، وقد توصلنا أنا وسائقى المساعد على بلبيسى إلى احتلال المرتبة الثالثة فى رالى الأردن الدولى فى عام 1986، وكررنا هذه الإنجاز فى العام 1988.

 

 

من الأمكنة الأحب إلى قلبى جبل عند أطراف عمان هو تل الرمان الذى أطلق منه والدى مع بعض أصدقائه فى العام 1962 ساق سيارات للتسلق الهضبة، وقد أصبحت من أقدم المناسبات الرياضية فى الشرق الأوسط. سألت رانيا إذا كانت ترغب فى مرافقتى بنزهة فى السيارة وانطلقنا نحن الاثنين نحو قمة الجبل.

 

 

كان بودى لو أن طلبى يدها كان فى مناسبة أكثر "رومانتيكية"، لكن فيما نحن واقفان خارج السيارة نتحدت قلت لها إننى أرى علاقتنا تتخذ منحى جديًا ويبدو لى أن زواجنا فكرة جيدة.

 

 

نظرت رانيا إلى مبتسمة ولاذت بالصمت. اعتبرت سكوتها عن الرد دليل موافقة وأخبرت والدى بما دار بيننا من حديث ومنذئذ أخذت الأمور تتسارع. بعد مضى ما يقارب الأسبوعين رتبنا زيارة لوالدى فى منزل والديها.

 

 

كنت يومئذ عائدًا من رحلة عمل تتعلق بالجيش، وما أن خطوت خارجًا من الطائرة فى مطار الملكة علياء الدولى حتى لمحت والدى واقفًا أمام البوابة وكانت المرة الأولى، على ما أذكر، يأتى إلى المطار لملاقاتى، أظنه شاء أن يتأكد من ثبات موقفى وعزمى على الإقدام على الزواج، فوالدى كان قد مضى عليه بضع سنوات يحثنى على الزواج والاستقرار.

 

 

فى تقاليدنا الاجتماعية، عندما يريد الرجل أن يطلب يد الفتاة للزواج، يأتى بأهم أفراد عائلته أو عشيرته وأصدقائهم وأكثرهم نفوذًا على رأس جاهه يؤكد لأولياء العروس المرتجاة أن ابنتهم سوف تكون فى ديار الزوج على الرحب والسعة وموضع عناية بيت حميها. وهل لك، فى هذه الحال، أن تحلم بناطق باسمك يطلب القرب، أعلى شأنًا وأكبر قدرًا من ملك الأردن؟ فى طريقنا إلى منزل والدى رانيا انعطف والدى إلى مكتبه حيث كان عليه أن يوقع بعض الأوراق.

 

 

تركنى أنتظر لا أقل من 3 أرباع الساعة، حتى بدأ العرق يتصبب منى خشية أن نتأخر عن الموعد. بوصولنا إلى المنزل بدا واضحًا أن والدى رانيا كانا يتوقعان لقاءً بسيطًا وغير رسمى، ولم يكن لديهما أدنى فكرة عن أن والدى كان ينوى طلب يد ابنتهما للزواج بى رسميًا فى ذلك اليوم.

 

 

كان مضيافين كريمين، وكانت والدتها قد أعدت الحلويات والشاى والقهوة، وحين قدمت فنجان القهوة العربية إلى والدى تناوله من يدها ووضعه أمامه دون أن يشرب منه.

 

 

لقد جرت العادة فى الأردن فى مناسبات طلب يد فتاة للزوج أن تقدم عائلتها القهوة العربية لكبير الجاهة، فيأخذ فنجان القهوة فى يده ويضعه أمامه ولكن يمتنع عن شربه إلى أن يتقدم بطلبه من أهل الفتاة حتى إذا وافقوا يشرب هو وبقية أفراد الجاهة القهوة، وإذا رفض الأهل الطلب يكون الامتناع عن شرب القهوة، حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها، بمثابة الرد على هذا الرفض. وبقدر ما تكون فى رفض الطلب إهانة لطالبى القرب يأتى الرد عليها برفض شرب القهوة. لكن فى أيامنا هذه تمارس هذه التقاليد بحيث يكون كل من المعنيين عارفًا دوره مسبقًا.

 

 

يبقى أن تسارع الأحداث جعلنى أنسى كليًا أن أحيط رانيا، وبالتالى والديها، بما عليهم توقعه من تفاصيل، مع أننى كنت قد تحدثت مع رانيا عن الزواج منذ أن طلبت يدها من قبل.

 

 

عندما امتنع والدى عن شرب القهوة بدأت رانيا تدرك مسار الأمور. لكن أمها الطيبة لم تكن لديها أدنى فكرة عما يجرى، وأخذت ترجو والدى أن يتفضل بتناول القهوة والحلوى.

 

وأخيرًا التفت والدى إلى والد رانيا، وتحدث، وفق التقاليد، عن الأسباب التى تجعل من زواجنا مشروع عائلة ناجحة.

 

كنت فى حالة من التوتر الشديد حتى إننى لم أعد أذكر الكثير مما قاله والدى ثم أعلن والد رانيا موافقته فعم الفرح.



loader
 
قـلوبنا معك غـزة