رغم مرور سبعة وستين عامًا على "النكبة" الفلسطينية فإن المعمّر الفلسطيني، رجب التوم، (126عاما)، لا يزال يذكر حتى اللحظة تفاصيل ما قامت به "العصابات الصهيونية" بحق الفلسطينيين أثناء تهجيرهم عام 1948.

 

المعمر الفلسطيني، الذي أخفق في حبس دموعه عندما عادت ذاكرته إلى الوراء لتسرد تلك التفاصيل، أكد أن تلك "المجازر" لم تغادر مخيلته.

 

ويقول رجب التوم، الذي ولد عام 1889، إن عمره آنذاك كان 59 عاما، وأنه كان يعمل مزارعا في مدينة بئر سبع ، عندما قامت "العصابات الصهيونية" بتهجير الفلسطينيين من قراهم عام 1948، وفي مشهد يؤكد أنه يؤرقه ولم ينسه حتى اليوم، "قام جنود إسرائيليون بالإمساك بامرأة حامل في الثلاثينيات من عمرها وذبحوها أمام عيون زوجها وأولادها".

 

ويضيف: "كنت أرى المشهد وأنا أرتجف خشية أن يقتلونني، ولكن سرعان ما جاء أمر للقوات بمغادرة المكان وهربنا مسرعين لغزة".

 

ويؤكد أن هذا موقف من العديد من "المجازر" التي ارتكبها أفراد "العصابات الصهيونية"، ومنها "إعدام أطفال ونساء أمام عائلاتهم بشكل مباشر إما عبر الذبح أو إطلاق النيران".

 

ويلفت المعمر الفلسطيني إلى أن "السكان الفلسطينيين لم يدركوا حقيقة ما يجرى في بداية الأمر، وعندما شاهدوا العصابات الإسرائيلية تدخل قراهم بالدبابات والأسلحة والمجنزرات، وعقب انتشار الأنباء حول المذابح التي تعرض لها الأطفال والنساء والعزل، كان عليهم أن يهربوا مسرعين تاركين أمتعتهم وحاجياتهم إلى أماكن آمنة".

 

ويؤكد أن "قصف العصابات الإسرائيلية للقرى الفلسطينية كان عشوائيا، ويهدف لإثارة الرعب ودفع الناس للهرب من مناطقهم»، لافتًا إلى أن «المئات قتلوا تحت أنقاض منازلهم".

ويقول التوم، الذي يقطن حاليًا في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، إن "التاريخ لم يصف جيدا أدق الأحداث التي واكبتها في ذاكرتي إبان النكبة، وشهادتي على قصص أليمة عاشتها عائلات فلسطينية".

 

ويضيف: "العصابات الإسرائيلية ارتكبت مجازر دموية بحق الفلسطينيين عام 1948، فمشاهد النزوح راسخة في ذاكرتي وكأنها حصلت قبل قليل، ففصول المجازر وقتل الأبرياء من قبل الإسرائيليين كان أبشع ما رأيته في حياتي".

 

ويشير إلى أن بريطانيا "كان لها دور كبير في تهجير الفلسطينيين، والسماح للعصابات الإسرائيلية بتدمير القرى الفلسطينية، حيث أقرت إصدار وعد بلفور (1917) الذي جعل فلسطين وطنًا قوميًا لليهود".

 

ويقول التوم: "بريطانيا ساهمت بشكل كبير في تسليح العصابات الإسرائيلية وحمايتهم".

وتابع: "العصابات الإسرائيلية لم تكن تعرف معنى حقوق الأطفال والشيوخ أو النساء، فكانت تنتهج سياسة الإبادة جماعية لهم وبشكل مباشر؛ فإعدام الأطفال كان أمام أمهاتهم وآبائهم، دون إنسانية أو شفقة".

 

ويوضح أن "الفلسطينيين اضطروا للفرار من المجازر، والقصف العنيف الذي تعرضت له مناطقهم، ولجأوا إلى مناطق أكثر أمنًا، كغزة والضفة الغربية، والأردن ولبنان وسوريا".

 

ويؤكد المعمر الفلسطيني على أن "الفلسطينيين لم يتوقعوا أن يخرجوا بهذه الطريقة، وأن يستمر تهجيرهم لوقتنا هذا".


ويمضي قائلا: "كانوا يعتقدون أنها أيام معدودة وسيعودون بعدها إلى ديارهم، فقد احتفظوا بمفاتيح منازلهم، وكانوا يتسللون إلى المناطق التي هجّروا منها خلال ساعات الليل ويحضرون الثمار من أراضيهم".

 

وصادقت وزارة الداخلية في غزة، يوم 13 فبراير/شباط 2014، على تعديل تاريخ ميلاد التوم، من 1 يناير/ كانون الثاني 1902 إلى 1 يناير / كانون الثاني 1889، ويكون بذلك أكبر معمر في فلسطين.

 

ويؤكد التوم أنه عاصر 5 حقب تاريخية، بداية من عهد الدولة العثمانية (التي خدم جنديا في جيشها)، ومروراً بالانتداب البريطاني، والحكم المصري والاحتلال الإسرائيلي، وحاليا حكم حركة(حماس لقطاع غزة.

 

ويقول إنه اُستدعي للخدمة العسكرية في الجيش العثماني، وخدم في لبنان عندما كان عمره 30 عاماً كأحد جنود دوريات الحراسة.

 

واستمر ضمن صفوف الجيش العثماني خمسة أعوام، شارك خلالها في الحرب العالمية الأولى (1918- 1914)، والتي انتهت بتفكك الامبراطورية العثمانية، وانسحاب جيشها من فلسطين عام 1918، ليعود "التوم" بعد ذلك إلى قطاع غزة.

 

ومع بداية حقبة الانتداب البريطاني لفلسطين، عاد "التوم" إلى مهنته الأساسية كمزارع، وانتقل للعمل في مدينة بئر السبع في منطقة النقب جنوب فلسطين التاريخية، حيث اشترى قطعة أرض وزرعها بالقمح والشعير والذرة، وكان ينقل محصوله في كل موسم ويبيعه في أسواق غزة.

واستمر في عمله كمزارع حتى انتهاء فترة الانتداب البريطاني، وقيام دولة إسرائيل على أراض فلسطينية محتلة عام 1948، حيث هاجر إلى قطاع غزة.

 

ويحاول أبناء التوم، تسجيله في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كأكبر معمر على وجه الأرض، لكنهم لم ينجحوا في ذلك حتى الآن.



loader
 
قـلوبنا معك غـزة